بينما كنت أقرأ في كتاب "التقاويم وقياس الزمن" للدكتور أحمد عبد الهادي، إذ استوقفتني خاطرة من طيف خواطر الكتاب وموضوعه الشيق، وراودني تساؤلٌ، لماذا قُسِّمَ زمن اليوم الواحد إلى أربعة وعشرين ساعة وفي كل ساعة ستون دقيقة وفي كل دقيقة ستون ثانية؟
أبحرت بمخيلتي في طيفٍ ألوانُه مواضيعُ الكتابِ، فتصورت أن هناك شخص مبدع قسم الزمن بهذه الطريقة لكي يبعث برسالة عبر الزمن إلى كل عاقل، لينبه بها الناس إلى أن أعمارهم تفنى كفناء الثانية وتنتهي كانتهاء الدقيقة وتمر كما تمر الساعة وتنقضي كما ينقضي النهار أو كما ينقضي الليل.
ذلك المبدع استخدم عدسة زمنية خاصة، صغر بها الكبير وكبر بها الصغير، ووضعنا في مركزها البؤري لكي ندرك مآلات الأمور ونرى تقلب السنين والشهور في تقلب الساعات والدقائق والدهر يدور.
لقد قسم زمن اليوم إلى شقيه، الليل والنهار، كما لو أنه أراد أن يرسم الظلمة والنور بفرشاته الزمنية كما يرسم الفنان لوحته الزيتية، فجعل الليل إثنى عشر ساعة كمثل السنة إثنى عشرة شهرا، وجعل النهار كذلك إثنى عشر ساعة بعدد أشهر السنة، وكأنما أراد أن يوحي لكل إنسان على وجه البسيطة، أن ليلة من لياليه تساوي السنة كلها، وأن يقظته بالنهار كذلك كأنها سنة، فاغتنم سنواتك باغتنام ليلك ونهارك، واغتنم من ساعاتك ما تريد أن تغتنمه من شهورك، فكل ساعةٍ شهرٌ، فاغتنم الساعات تغتنم الشهور، وضيع الساعات تضيع منك الشهور.
العجيب أنه تصور اليوم الواحد كأنه سنتين، الأولى ظلمة والثانية نور، كأنه يبث فينا روح الأمل، فما من سنة تمضي بمرها إلا وتليها أخرى بحلوها، فلا يأس ما دام الأمل معقود في جديد قادم يحمل معه النور والضياء.
العجيب أنه تصور اليوم الواحد كأنه سنتين، الأولى ظلمة والثانية نور، كأنه يبث فينا روح الأمل، فما من سنة تمضي بمرها إلا وتليها أخرى بحلوها، فلا يأس ما دام الأمل معقود في جديد قادم يحمل معه النور والضياء.
ولأن الشهر ثلاثون يوما واليوم شقين اثنين (ليل ونهار) فإن حاصل ضربهم ستون، ومن وحي عدد أيام الشهر الثلاثون، وتعاقب الشقين الليل والنهار في كل يوم، أصبح لديه ستون شقا، ثلاثون نهاراً وثلاثون ليلاً، فقسم بهم الساعة الواحدة إلى ستون دقيقة، وكأنما أراد أن ينبهنا إلى أن الدقيقة في حياة الإنسان كليلةٍ أو كنهارٍ، وأن الدقيقة في مرورها كالنهار في مروره، وأن الدقيقة في انقضاءها كالليل في انقضاءه، فيلزمنا الحرص على كل دقيقة كي يسلم لنا الليل والنهار من الضياع.
وهنا لا يكاد العقل يدرك أنه ينتقل من عالم الساعات إلى عالم الدقائق إلا ويفاجأ بأنه دخل في عالم السنين من باب الدقائق والثواني.
وربما أراد التأكيد على المعنى فقسم الدقيقة إلى الثواني الستون لتعميق المعنى وزيادة التنبيه وإعلاء قيمة الثانية في حياة الإنسان.
لاحظ معي كيف أن السنة أثنى عشر شهرا وكيف أن عقارب الساعة تمر على أثنى عشرة رقما في دورانها لحساب الدقيقة أو أثناء دورانها لحساب الساعة أو خلال دورانها لحساب زمن النهار أو الليل.
فمن وحي السَّنَةِ وشهورِها، واليومِ ليلُه ونهارُه، أراد هذا المبدع أن تصلنا هذه الرسالة النفيثة عبر قياسنا الأبدي للزمن، وربما أراد أن يبعث بالمزيد من الحكمة مما لم استشرفه في هذه الخاطرة.